الأحد، 22 فبراير 2009

زمن المقاومة ـ م. فتحي شهاب





أخيرًا حدث الانقلاب، وجاء اليمين اليهودي المتطرف إلى حكم الكيان الصهيوني، يتزعمه "نتنياهو" و"ليبرمان"، وجاءت لحظة الحقيقة عندما خذل الناخب الصهيوني "حكماء العرب"، فمنح ثقته "لليكود" و"إسرائيل بيتنا" و"شاس"، وهي الأحزاب الأكثر شراسةً في معاداة العرب لتصبح المفاوضات على قيام الدولة الفلسطينية أقرب إلى نهايتها؛ حيث إن الأقطاب الصهاينة الجدد لن يسلكوا طريق المراوغة فهم أكثر وضوحًا في إعلان شروطهم؛ مما يعني أنهم لن يجاملوا السلطة الفلسطينية، ولن يتستَّروا على فضائحهم التفاوضية، ولن يراعوا ظروفهم الصعبة.
فالحقيقة الواضحة تقول إن المفاوض الصهيوني المماطل والمتمثل في حزب "كاديما" أعطى عباس وفريقه أوراقًا كثيرةً ساعدته على مماطلة شعبه بادعاء أن القدس وتفكيك المغتصبات وحق العودة بنودٌ ثابتةٌ على طاولة المفاوضات في انتظار المرحلة النهائية.

فمنذ أكثر من عشرين عامًا وفريق السلطة يردِّد هذه الكلمات بلا ملل حتى حفظناها عن ظهر قلب، كلما رأينا عباس أو صور أو أسماء من عينة: ياسر عبد ربه، قريع, عريقات.. وظننا أن المرحلة النهائية أصبحت قاب قوسين أو أدنى، والحقيقة أنه لم تكن هناك مرحلة نهائية ولا يحزنون، ولم تكن هناك مرحلة نهائية في أي وقت من الأوقات، وإنما عشنا في نوع من الوهم والسراب الخادع الذي يحسبه الظمآن ماءً.

ومن هنا يصدق القول بأن رئيس السلطة الفلسطينية وفريقه سوف يكونون أكبر المتضررين من نجاح "نتنياهو- ليبرمان"؛ باعتبار أن تحالفًا بهذا التوجه السافر سيقطع حبل الكذب، ويضع السلطة أولاًَََ والعرب ثانيًا أمام الحقيقة المرة والاستحقاقات الأمرّ منها.


لقد وضع الناخب الصهيوني الجميع في مأزق لا يمكن الخروج منه، وكان يمكن للمأزق أن يكون أشدَّ خطرًا لو تزامن هذا الفوز مع عهد "بوش" المجرم، إلا أن الله سلَّم بتحقيق التوازن بين "أوباما" الذي يبدو "عاقلاً" وتحالف اليمين اليهودي "المجنون".

هذه العودة لليمين المتطرف إلى سدَّة الحكم في "إسرائيل" تعني أمرًا فوريًّا واحدًا؛ هو وضع التسوية الحالية في الثلاَّجة من الآن وحتى إشعار آخر، وسيكون التفاوض- إن تم- من أجل التفاوض وذلك لسبب بسيط؛ هو أن الليكود لا يؤمن أساسًا بحلِّ الدولتين ولا يؤمن بأوسلو، وكان وما زال رأي نتنياهو هو البدء في تثقيف وتحضير (من الحضارة) الفلسطينيين لمدة 25 عامًا في مجالات السياسة والإدارة والاقتصاد قبل بدء التفاوض معهم؛ ليس حول دولة فلسطينية، وإنما حول حكم ذاتي محدود تحت سلطة "إسرائيل"، منتهى الغطرسة.. منتهى الوقاحة، لا نلُمْه وإنما نلوم أنفسنا.

وإذا كان التاريخ يعيد نفسه فمن حقنا التذكير بهذه الوقعة التاريخية عندما عاد حزب الليكود بزعامة نتنياهو إلى سدَّة الحكم في مايو 1996م، والذي كان معارضًا لأوسلو، ويقول بأن الفلسطينيين أخذوا أكثر مما يستحقون، رغم أنهم لم يأخذوا شيئًا.

تعامَل نتنياهو مع السلطة وقتئذٍ (عرفات) بكثير من الازدراء والتعالي، وقام بتوسيع المغتصبات والاستيلاء على الأراضي وتهويد القدس ورفض تطبيق الاتفاقيات أو التعاون مع السلطة ما لم تقضِ على المقاومة بنسبة 100%، وعندما نشطت السلطة في ذلك وفي 23/10/1998م وقَّع معها "نتنياهو" اتفاق "واي ريفر" في أمريكا وبحضور كلينتون وأولاده؛ أي في (جلسة عائلية)!.

ولكن لم تكد "الحزينة تفرح" حتى قام نتنياهو نفسه بإلغاء الاتفاق في ديسمبر 1998م وفي أقل من شهرين من توقيعه!.

لندع إذن نتنياهو يقول ما يقول، فهذا شأنه، وهو يعمل من أجل "إسرائيل"، ولكن ماذا علينا أن نفعل وقد تغيَّرت قواعد اللعبة، وأصبحت هناك حقائق جادَّة تفرض نفسها علينا؟!



إن على الجميع الآن أن يعيد حساباته بطريقة جديدة وبقواعد جديدة تلائم هذه المرحلة وتحدياتها؛ منها:

- أن السلطة الفلسطينية مطالبة الآن وفورًا بعملية تطهير ذاتي لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ التي أصبحت منظمةً على الورق لا وجود لها؛ بعد أن تم قضمها وهضمها مرةً من قبل فتح عندما استولت عليها، ومرةً من قبل سلطة الحكم الذاتي، فكانت المنظمة "كالأمَة التي ولدت ربتها"، يجب الآن وفورًا بث الروح في هذه المنظمة؛ بحيث تصبح جبهةً عريضةً للمقاومة والتحرير، تجمع كل الفصائل المجاهدة، ويجري تشكيلها من عموم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

- إنشاء ميثاق وطني فلسطيني جديد، وإعادة بنوده التي تدعو للمقاومة وتحرير فلسطين، والتي تم إلغاؤها بناءً على طلب "إسرائيل"، مرةً في أوسلو عام 1993م ومرةً في واي ريفر 1998م.

- تجميد العمل باتفاقية أوسلو، والتي تعتبر بحق "أم الكبائر"، والانسحاب الفوري منها، طالما أن "إسرائيل" لم تلتزم ببند واحد فيها.

- على مصر أن تقوم فورًا بفك الحصار عن غزة، وخاصةً بعد أن تنصَّل الصهاينة من كل وعودهم وخذلوهم في المفاوضات، ولم يراعوا معهم حسن الجوار، كما يجب أن يقوموا بتوقيع اتفاق طبيعي للمعابر مع الفلسطينيين؛ لا يعترف بشرعية الاحتلال لأراضيهم، وبالتالي لا يعترف بشرعية التحكم والمراقبة للمعبر الفلسطيني.

- وعلى العرب أن ينسوا تمامًا تلك المبادرة التي لفظها الصهاينة وأصبحت في عالم النسيان، كما أن عليهم التوقف عن تدشين أية مبادرات أخرى؛ حيث إن الوقت الآن ليس للمبادرات بل للتصدي والمقاومة.

وإذا ما حدث ذلك ستكون تلك البداية كي يمسك العرب بأوراق اللعبة في أيديهم.