الأربعاء، 28 مارس 2007

الطغيان وطبائع العبيد ـ م. فتحي شهاب





مصر هى أم الفرعنة والاستبداد والطغيان وكان الملك فى مصر الفرعونية هو الإله "حورس" الذى تتجسد فيه مصر. فملك مصر هو "سيا" إله الإدراك وهو"رع" إله الشمس وهو "خنوم" خالق البشر وهو "باسنش" الحامى و"سَخمت" إله العقاب.


وبذلك كان الفرعون هو باعث الحركة والنشاط والقوة والحيوية والصحة لا فى شعب مصر فحسب بل فى الطبيعة أيضاً فهو إذا ما تولى العرش يرتفع منسوب المياه فى مجرى النيل ويرتوى الزرع والضرع.

ومن الطبيعى ألا نجد مثل هذا الارتباط بين شخصية الحاكم ومسار الطبيعة أو التوحد بينه وبين الناس فى هوية واحدة إلا فى نظام الطغيان فيستحيل أن ينهار الناس أو يسقط الحكم عندما يموت الحاكم فى دولة ديمقراطية بالغاً ما بلغ حبهم له أو تعلقهم به.

فقد حزن الأمريكيون بعد اغتيال (كنيدى) لكنهم لم ينهاروا، وأسقط الإنجليز (تشرشل) رغم احترامهم وتقديرهم له، وفعل الفرنسيون نفس الشئ مع ديجول.
أما الطاغية عندنا فهو الشعب وهو مصدر كل السلطات بطريق مباشر أو غير مباشر وأى نقد لسلوكه أو هجوم على سياسته هو نقد وهجوم على البلد بأسره لأنه هو البلد، الحرية له وحده والنقد يصدر من جانبه فحسب ولا يجوز لأحد غيره أن يجرؤ على ممارسته. إنه يمد الحبل السُرِّى إلى جميع أفراد المجتمع فيتنفسون شهيقاً كلما تنفس ولا تعمل خلاياهم إلا بأمره فهو " الزعيم الأوحد" و"القائد و"المُعلِّم" و"الملهَم" الذى يأمر فينصاع الجميع لأمره وهو يعبر عن مصالح الناس وهو أدرى بشئونهم ويعرفها أفضل منهم لأنهم "قُصَّر" لم يبلغوا سن الرشد بعد وأنَّى للقاصر أن يعرف الصواب من الخطأ أو أن يفرق بين الحق والباطل ومن ثم فلا ضَيْر أن كل شئ فى البلاد إنما يتم بتوجيهات سيادته.

فى الليلة التى مات فيها عبد الناصر 28سبتمبر 1970 ذُهل العالم لذلك الذى صنعه العرب على امتداد أقطارهم ولا سيما ما فعله المصريون من بكاء وعويل على نحو هستيرى وعاشت الأمة العربية ومصر بالذات ثلاثة أيام كئيبة ثم كانت الجنازة التى سار فيها ملايين البشر يبكون ويصرخون ويلطمون الخدود.
كل ذلك رغم أن الرجل عرَّض البلاد لهزيمة كاسحة عام 1967 أرجعت البلاد مئات السنين إلى الوراء وأضاع خُمس الأراضى المصرية كما أضاع ما كان بيد العرب من الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة حيث التهمتها إسرائيل وكذلك الجولان وتسبب فى مقتل آلاف المصريين ( أكثر من 60ألف قتيل)

لقد كان من الطبيعى عند إعمال العقل أن يفرح المصريون لموت الطاغية الذى احتقرهم وعذبهم وامتهن كرامتهم أو أن يكتفوا بالترحم عليه انصياعا للمشاعر الدينية التى تؤَثِّم الشماتة فى الموت فإذا حتَّم الأمر بعض المبالغة فليكن الدمع قليلاً أما أن تنتشر تلك الحالة العنيفة من " الاكتئاب الجماعى" فإن الأمر يصبح عسيراً على الفهم ولا يمكن تفسيره إلا أن لدينا بعضاً من طبائع العبيد.

يقول البستانى (فى دائرة معارفه) مفرقاً بين المستبد والطاغية:
ربما خَلَطَ البعض بين الطاغية والمستبد من الحكام فالفرق بينهما بيِّن عظيم فالمستبد من تفرد برأيه واستقل به، فقد يكون مصلحاً يريد الخير ويأتيه، أما الطاغية فيستبد مسرفاً فى الظلم وقد يلجأ إلى اتخاذ القوانين والشرائع ستراً يتستر به فيتمكن مما يطمح إليه من الجور والظلم والفتك برعيته وهضم حقوقها، وقد يٌكَيِّف فظائعه بقالب العدل فيكون أشر الطغاة وأشدهم بطشاً بمن تناولتهم سلطته ويشكوا البستانى من أن الناس يمكن أن تتقبل " الطغيان" بدون شكوى أو تذمر وهى الصفة التى يلصقها "أرسطو" بالشرقيين وبمصر خصوصاً حيث يرى أنهم يحملون طبيعة العبيد.

لقد نقل المقريزى عن كعب الأحبار قوله للخليفة عمر بن الخطاب "إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شئ شيئا فقال الشقاء أنا لاحق بالبادية وقالت الصحة وأنا معك وقالت الشجاعة أنا لاحقة بالشام فقالت الفتنة وأنا معك وقال الخِصْبُ أنا لاحق بمصر فقال الذل وأنا معك.

يقول "جون لوك" فى كتابه "الحكم المدنى":

" يبدأ الطغيان عندما تنتهى سلطة القانون أى عند انتهاك القانون، وإلحاق الأذى بالآخرين"

ويؤكد فقهاء القانون على أن استقرار القوانين الدستورية لم يكن أمراً سهلاً فهى لم تصدر إلا بعد جهاد الشعوب وكفاحها واستشهد الكثيرون من أبناءها لكى تستخلص الشعوب حقوقها من مغتصبها وقد سجل التاريخ أن الدساتير لم تصدر إلا بعد ثورات شعبية أو ضغوط قوية من جانب الشعب على حكامه، فقانون الماجنا كارتا Magna Carta ( العهد الأعظم ) الذى صدر عام 1215 وهو أول وثيقة مدونة فى انجلترا بعد ثورة الأشراف على الملك "جون" والتى على إثرها تم تحديد حقوق الملك الإقطاعية، والثورة الفرنسية الكبرى التى قامت فى فرنسا عام 1789 للمطالبة بحقوق الشعب وتأكيد حرياته واحترامها تمخضت عن (إعلان حقوق الإنسان) الذى أصبح وثيقة عالمية نقلت عنه مختلف الدساتير ومعنى ذلك كله أن البشرية لم تستطع أن تصل إلى الحكم الديمقراطى إلا بعد كفاح مرير.

ثم بعد ذلك يأتى الطغاة من الحكام ليعبثوا بها كيف شاءوا ويحولوها إلى قيود وأغلال على شعوبهم، ولكن الذنب لا يلحقهم فقط بل يلحق الشعوب أيضاً التى تمرر تلك القيود والأغلال دون حتى مجرد صيحة غضب واستنكار.

يقول أحمد مطر فى لافتاته:

الورد فى البستان .. أصبح ...ثم كان .. فى غفلة تهدلت رؤوسه .. وخرت السيقان .. إلى الثرى .. ثم هوت من فوقها التيجان

مرت فراشتان ورددت أحداهما :

قد أعلنت إضرابها الجذور

ما أجبن الإنسان! ما أجبن الإنسان! ما أجبن الإنسان!

ويقول الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد:

" ما من مستبد سياسى إلا ويتخذ صفة قدسية شارك بها الله أو تعطيه مقاماً ذو علاقة بالله"

وهكذا يقترب الطاغية من التألُّه فهو يُرهب الناس بالتعالى والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى لا يجدوا ملجأً إلا التزلف له وتملقه! وبذلك يصبح هو الحاكم، القاهر، الواهب، المانع…. المَهيب الركن…إلى آخر الأسماء الحسنى التى تَسَمَّى بها أحد عتاة الطغاة فى التاريخ المعاصر والذى انتهى به المقام على حبل المشنقة فسبحان القاهر المعز المذل.

ويشرح لنا "أرسطو" أساليب الطغاة فى الاحتفاظ بملكهم فى ثمانية نقاط أطلق عليها اسم "أعمدة الشر" وهى تجيب على السؤال الذى يشغل بالنا فى هذه الأيام وهو لماذا تحول الناس إلى عبيد لغير الله وتتلخص تلك الأساليب الشيطانية فى:

1- تدمير روح المواطنين وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهم وجعلهم عاجزين عن فعل أى شئ وتعويد الناس الخسة والضِعة والعيش بلا كرامة بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان.

2- القضاء على البارزين من الرجال وأصحاب العقول الناضجة واستئصال كل من تفوق أو حاول أن يرفع رأسه وقد عبر عنها أرسطو بكلمة "التطهير" .

3- منع الموائد المشتركة والاجتماعات والنوادى وحظر التعليم (أو جعله دعاية للحاكم) وحجب كل ما يعمل على تنوير النفوس أو كل ما يبث الشجاعة والثقة بالنفس.
4- منع المواطنين من التجمع لأغراض ثقافية أو أى تجمع مماثل واتخاذ كافة السبل التى تغرس فى المواطن الشعور بأنه غريب عن بلده بقدر المستطاع، ذلك لأن تعارف المواطنين وتوادهم يؤدى إلى استمرار الثقة المتبادلة.

5- إجبار كل مقيم فى المدينة أن يظهر للعيان بصفة مستمرة وإكراهه بوجه عام ألا يجاوز أبداً أبواب المدينة إلا إذا كان الطاغية وأعوانه على علم بما يعمل الناس فى دولته.

6- يجتهد الطاغية حتى تكون لديه معلومات منتظمة حول كل ما يفعل رعاياه أو يقولونه وهذا يعنى أن تكون هناك شرطة سرية وجواسيس أو عيون يبثها فى أرجاء البلاد على نحو ما كان يفعل طاغية "سيراقوصة"

7- إغراء المواطنين أن يشى بعضهم بالبعض الآخر فتنعدم الثقة بينهم ويدب الخلاف بين الصديق وصديقه وبين العوام وعِلْيَة القوم وبين الأغنياء والفقراء.

8- إفقار رعاياه حتى لا يكلف حرسه شيئاً من جهة وحتى ينشغل المواطنون من جهة أخرى بالبحث عن قوت يومهم فلا يجدون من الوقت ما يتمكنون فيه من التآمر عليه وكذلك فر ض الضرائب التى تؤدى إلى نفس النتيجة.

هذا ما قاله أرسطو فى الطاغية فهل ترى اختلافاً كبيراً بين ما يقوله وما يحدث فى بلادنا أو أقطارنا العربية؟؟!!!

الثلاثاء، 20 مارس 2007

إلى أقبـــاط مصــــر ( 2-2) ـ م. فتحي شهاب




تعتبر مصر حضارياً وجغرافياً وتاريخياً واستراتيجياً جزء لا ينفصل من العالم الإسلامى. والكنيسة القبطية مؤسسة مصرية مائة بالمائة، فهى التى حمت استقلالية مصر ضد روما وبيزنطة، وهى التى رأت فى الفتح العربى – الإسلامى تحريراً وتأكيداً لاستقلال مصر ولذلك لم تقاومه بل تعاونت معه تعاوناً كاملاً.

والكنيسة المصرية هى التى وقفت مع المسلمين ضد التبشير الأجنبى الذى أراد أن يسلب المسلم والقبطى استقلاليتهما الوطنية بإلحاقهما بكنيسة الغرب الاستعمارية الأهداف والوسائل، فالكنيسة القبطية جزء لا ينفصل من التكوين الحضارى والبشرى لمصر.

لقد قادت مصر أيام صلاح الدين الأيوبى الدفاع عن العالم الإسلامى ضد المسيحية الغربية التى جاءت تستعمر بلادنا باسم الحروب الصليبية وفى تلك الفترة كان أقباط مصر ينالون " دير السلطان " فى القدس كلما انتصرت قوات السلطان الإسلامية وتعزز نفوذهم على الحبشة حتى يتوجوا ويخلعوا أباطرة الأحباش، وتمتد كنيستهم لتشمل برعايتها الأقباط فى السودان وغيرها .. فلما أنهار مركز مصر الإسلامية امتدت الأطماع الغربية إلى الكنيسة المصرية ذاتها وحاولت وما تزال أن تسلبها رعاياها، وانفصلت كنيسة الحبشة وضاع دير السلطان.

وعصر الشهداء فى تاريخ الكنيسة المصرية يسجل الذين قتلتهم الكنيسة الغربية، وبابا الكنيسة المصرية كان هارباً من السلطة البيزنطية المسيحية وأعاده المسلمون إلى كرسى البطريركية وأُمِّن على دينه وكنيسته فى ظل الفتح الإسلامى، وليس فى تاريخها عصر شهداء ضد المسلمين أو السلطة الإسلامية طوال تلك القرون التى مررنا بها.

إن كل كنائس العالم العربى لم تواجه الإسلام كما يهمس اليوم فى آذانها المفسدون والعلمانيون ولا احتمت بالصحراء أو الجبل خوفاً من المسلمين، بالعكس لقد ظهرت كانشقاق عن كنيسة الغرب وكعصيان فى وجه السلطة الأجنبية وسلطة المسيحية الغربية وليس الإسلام، وما من دارس للتاريخ ينكر أنه لولا الفتح الإسلامى ولولا سيوف المسلمين لاختفت هذه الكنائس فى ظل الهيمنة الرومانية أو البيزنطية ثم الأوروبية بعد ذلك ولسيطرت كنيسة واحدة واختفت تماماً الأقليات والكنائس المنشقة كما حدث فى أوروبا قبل عصر النهضة.

وتجربة التبشير فى العالم العربى تثبت أن الكنائس العربية كانت خسائرها أفدح من المسلمين وإذا كان من السهل على الشيخ المسلم أن يعبئ أتباعه ضد المبشر لأنه كافر ينسب التعدد إلى الله فيغلق بذلك باب النقاش، فإن القس يجد صعوبة فى إقناع المسيحى الأرثوزوكسى أو المارونى أو القبطى بأن يدخل فى دين آخر أو يكفر بالمسيحية إذا اعتنق الكاثولوكية أو البروتستانتية وغيرها من كنائس الغرب.

وهكذا كان الخطر الذى يهدد بقاء الكنائس العربية هو النفوذ الأجنبى فى شكل الإرساليات والنشاط الكنسى العالمى وليس المسلمين الذين حفظوا هذا الوجود أربعة عشر قرناً مرت فيها قرون ما كان فيها من عاصم إلا تعاليم دينهم وروح حضارتهم.

من هنا يحق لنا القول أن القبطى المخلص للكنيسة هو مع مصر الإسلامية، والمصرى مهما يكن معتقده الدينى مع مصر الإسلامية التعبير والحضارة والاستراتيجية والتاريخ والثقافة لأنه لا توجد ثقافة فرعونية ولا قبطية ذات وزن حضارى مؤثر اليوم، فليس أمامنا إلا الثقافة العربية – الإسلامية نتمسك بها جميعاً ونؤكد من خلالها استقلالنا وذاتيتنا وإما نسقط فى ثقافة الآخرين.

إن الإخوان المسلمون يفهمون ذلك جيداً ولا يقبلون اضطهاد الأقباط وهم مع استقلالية واستمرارية الكنيسة المصرية ومشاعرهم تجاه إخوانهم الأقباط أصدق حرارة وأعمق حباً من دموع التماسيح التى يذرفها مجلس الكنائس العالمى المخطط والراغب فى ابتلاع الكنيسة المصرية، ومن هؤلاء الذين باعوا مصر وكنيستها من أجل ورقة الإقامة الخضراء فى الولايات المتحدة وكندا والثمن الذى يدفعونه هو حملة التشهير عن الاضطهاد الواقع على الأقباط فى مصر. يبقى السؤال المطروح على الساحة الآن وهو ما هى الضمانات التى تكفل فى المستقبل عدم انقلاب الإخوان على المبادئ السامية التى أعلنوها فى برنامجهم والخاصة بالإخوة الأقباط إن هم شاركوا فى السلطة من خلال تداول سلمى ديمقراطى؟ والإجابة تكمن فى أن الضمان موجود فى عقيدتهم المستمدة من كتابهم وسنة نبيهم والمتمثلة فى النقاط التالية:

إن الإسلام لا يعادى الناس لمجرد اختلاف العقائد طالما لم يبدأوا المسلمين بالاعتداء لقوله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".

تأكيد الإسلام على وحدة الأصل الإنسانى وكرامة الإنسان دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون لقوله تعالى:" ولقد كرمنا بنى آدم" فالكرامة للجميع دون تمييز.

تأكيد القرآن على احترام الأنبياء والأديان السابقة على الإسلام فلا توجد كلمة واحدة فى التراث الإسلامى تسئ إلى المسيح عليه السلام وأمه الصديقة مريم عليهما السلام.

أن الإسلام لا يٌكره الإنسان على تبديل عقيدته واعتناق الإسلام لقوله تعالى" لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى".

ضمان العدالة لقوله تعالى" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

اختصاص أهل الكتاب بعدل خاص لقول رسول الله ( ص ) " من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو انتقص أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة".

اختصاص أقباط مصر بالوصية النبوية فقد أوصى النبى ( ص ) الجنود الفاتحين بأقباط مصر خيراً فى وصية خالدة قال فيها" إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم دماً ورحماً وفى رواية ( ذمة ورحماً) وفى حديث أم سلمة " الله الله فى قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعواناً فى سبيل الله ".

موقف عٌمَر بن الخطاب – رضى الله عنه - من ابن عَمْرو بن العاص الذى ضرب قبطياً لمجرد أنه فاز عليه فى سباق فقد أمر القبطى بأن يضرب ابن عَمْرو بن العاص ولم يكتفى بذلك بل أمره بأن يضرب عَمْرو نفسه قائلاً " اجعلها على صلعة عَمْرو فوالله ما ضربك إلا بسلطان أبيه " فهل بعد كل ذلك نتحدث عن اضطهاد الأقباط فى مصر ونوايا الإخوان تجاههم إذا شاركوا فى السلطة؟ أعتقد أن الأقباط المخلصين لكنيستهم يعوا ذلك جيداً أما المرجفين من العلمانيين الكارهين للإسلام فلهم عذرهم حيث يؤدون الدور المرسوم لهم للحيلولة دون التقاء وتفاهم المسلمين بإخوانهم الأقباط.

السبت، 10 مارس 2007

يا أقباط مصر لا تسمعوا لدعاة العلمانية ـ م. فتحي شهاب





طالب نحو مائة شخصية علمانية فى نداء وجهوه لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب والشورى بتعديل المادة الثانية من الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية لأنها تتناقض مع مبدأ المواطنة وتتجاهل أقباط مصر. والحقيقة أن المرء يحار فى فهم أولئك العلمانيين فرغم أنهم ليسوا بالكثرة إلا أنهم استطاعوا فى الفترة الأخيرة وبإيعاز من الحزب الحاكم أن يستولوا على أجهزة الإعلام فى مصر ويسخروا أنفسهم لحملة شرسة ومشبوهة ضد كل ما هو إسلامى وبالأخص الإخوان المسلمون وأصبحت برامج مثل " البيت بيتك " وغيرها ساحة لتجمع العلمانيين الكارهين لكل ما هو إسلامى وكانت الضجة التى كٌلفوا بإحداثها حول الشريعة الإسلامية مناسَبة تجلت فيها قدرتهم التزويرية من خلال تناولهم لمبدأ المواطنة وتحوٌّل الأقباط إلى مواطنين من الدرجة الثانية وكأنهم اكتشفوا عصا موسى التى ستبطل السحر الإسلامى، وإذا كان التكرار أحياناً يعلم الشطار من العلمانيين فإننا نكرر ونقول إن الشريعة الإسلامية لن تكون سوى قانون عام يطبق على الجميع بمساواة وعدالة من خلال قضاء حر ومستقل ونزيه دون افتئات على أحد والشريعة لا تعنى أن الإسلام كدين سيٌفرض على الأقباط وإذا كانت تعنى ذلك فيحق للمسلمين أن يحتجوا بأن فرض القوانين الغربية عليهم والمستمدة من تصورات مسيحية غربية يعنى فرض الكاثوليكية عليهم. أما عن إشاعة القيم الإسلامية فى المجتمع ومؤسساته فلا نظنه مما يغضب الأقباط أو يحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية ولا نعتقد أن نشر الفساد والتفكك والإباحية أو السرقة والنهب وضياع كرامة وحقوق الإنسان سيحوّل الأقباط إلى مواطنين من الدرجة الأولى.

إن الأقباط أصحاب دين سماوى وليست هذه القيم بالغريبة عنهم ولا نظنهم يفضلون التغريب على أن تسود هذه القيم مجتمعنا إذا جاءت عن طريق الإسلام، وصياغة الفكر والثقافة والإعلام والتعليم بالمرجعية الإسلامية لا تعنى أن الأقباط سيتحولون إلى الإسلام لأنهم مكثوا على دينهم أربعة عشر قرناً فى ظل حكم إسلامى ولم يٌفرض عليهم الدين فى مجتمع كان الدين يحكم ثقافته وفكره وممارساته. ولا نظن أن الأقباط يفضلون سيادة قيم الأجانب والمستعمرين لمجرد أنهم يكرهون الإسلام وهذا هو ما يروج له اللادينيون والعلمانيون الذين يحملون أسماء إسلامية.

إن رسالة العلمانيين التى تفيض حباً فى المواطنة والخوف عليها إنما هى حق يراد به باطل وفزاعة الإسلام وحكم الشريعة ووصول الإخوان للحكم وإقصاء الأقليات والأقباط لا تنطلى على أحد فقد أعلن الإخوان برنامجهم السياسى وبينوا موقفهم من المواطنة والأقباط فى مبادرتهم للإصلاح فى مارس 2004 والتى أعلنوا فيها أن الأقباط جزء من نسيج المجتمع المصرى وأنهم شركاء الوطن والمصير وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا وأن حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع.


هذه المبادرة كافية لسد أفواه العلمانيين والكارهين للإسلام. إن الإنسان يصيبه حالة من الذهول لما يردده أولئك المرجفين عن الأقباط، فهل حرمتهم الشريعة من العمل أو التعلم أو الكسب أو التملك أو التنقل؟ وهل تسببت فى إهانة حرياتهم وكرامتهم واستباحة أعراضهم؟ الإجابة بالنفى كما يعلم الجميع. هل سيٌعزلون عن المسلمين ويرحَّلون إلى مناطق منعزلة " كالجيتو " والمستعمرات كما حدث لليهود وسط مسيحى الغرب وللزنوج وسط المسيحيين البيض فى جنوب أفريقيا؟ هل سيٌبادون كما أبيد المسلمون فى الأندلس وغيرها من بلاد أوروبا؟ ما الهدف إذن من وراء الإثارة الكاذبة لمثل هذه القضية. إن الأقباط ليسوا إلا مواطنين مصريين يعيشون مع مواطنين مصريين آخرين هم المسلمون والذين يشكلون غالبية سكان البلاد ومن حق الأغلبية أن تحكم دون الإخلال بقاعدة المساواة بأى حال وهذا هو الأساس الذى قامت عليه الديمقراطيات الغربية والأمريكية والتى صاغت القضية فى التعبير الشائع "حكم الأغلبية وحقوق الأقلية " Majority rule, Minority rights ولا يوجد أى تعارض بين حق الأكثرية المسلمة وحق الأقلية غير المسلمة فالمسيحى الذى يقبل أن يٌحكم حكماً علمانياً لا دينياً لا يضيره أن يٌحكم إسلامياً. وفى ظل الشريعة الإسلامية الذى عرفته البلاد فى أطول فترات تاريخها والذى لم يٌضرب إلا فى ظل الاستعمار الأجنبى الأوروبى لن يكون هناك تغيير ولا عزل لفئة قبطية أو غير قبطية اللهم إلا لأعداء الإسلام الصريحين من الملاحدة أو عملاء الغرب.

إن الإمعات الذين انطلقوا فى الصحف الحكومية وغير الحكومية وعلى شاشات الفضائيات يتباكون على الأقباط وما سيحدث لهم نقول لهم وفروا دمعة لمصير المسلمين الذين انتم محسوبون عليهم ولو بمجرد الأسماء وقبل أن تتحدثوا عن اضطهاد وهمى للأقباط:

تحدثوا عن الاضطهاد الواقع على غالبية الشعب المصرى من فساد وسرقة وبطالة وغلاء.

تحدثوا عن آلاف الشباب المودعون فى السجون والمعتقلات منذ عشرات السنين بتهمة الإسلام.


تحدثوا عن المحاكم العسكرية التى تعقد للإخوان المسلمين دون غيرهم وتلفيق التهم الكاذبة بغسيل الأموال والحجر على أموال الأطفال والقصر.

تحدثوا عن ترويع الآمنين وهجمات الأشاوس من ضباط أمن الدولة على بيوتهم واقتيادهم إلى السجون والمعتقلات دون جريرة أو ذنب.

أليس كل هذا اضطهاد ومع ذلك فقد عمى الإمَّعات عن ذلك وسكتوا عنه وصاروا باكين خائفين على المواطنة ومصير وحقوق الأقليات والأقباط، نقول لهم تباكوا أولاً على مصير الأغلبيات التى أنتم منها بالاسم والتى لم تصبح أغلبيات ليس بفضل تحديد النسل بل بفضل التفكك والتشتت وفقدان الهوية والعقيدة والشعور بالهوان. إن رفع ورقة المواطنة وحقوق الأقباط فى وجه الشريعة الإسلامية ليس أكثر من حيلة لا تنطلى على أحد ولا يمكننا أن نظل أبد الدهر مواجهين بهذه الحجة الزائفة مرددين نفس الكلمات عن تسامح الإسلام...الخ. إن هذا لن يجدى شيئاً لأن من يرفعون هذه التهمة فى وجوهنا لا يريدون المعرفة بل الفتنة والطعن والإثارة.

أيها السادة تباكوا علينا نحن المسلمين فقد أصبحنا مواطنين من الدرجة الثالثة ولم نصل بعد للدرجة الثانية.

" كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " صدق الله العظيم

الأربعاء، 7 مارس 2007

عصابة الشر ـ م. فتحي شهاب





تحدثنا في مقالٍ سابقٍ عن إستراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في المنطقة والتي تهدف من ورائها إلى خلخلةِ أوضاعها عن طريق إحداث هزَّات عنيفة في البلدان العربية ثم إعادة بنائها من جديدٍ وفقًا للمصالح الأمريكية، وفي هذه الحلقة نتطرق إلى جذورِ الفكرة والمحركون لها ومهندسوها الأوائل والجدد من اليهود.

فإذا رجعنا إلى البروتوكول العاشر فسوف نقرأ ما يلي: (إن حُكْمَنا سيبدأ في اللحظة ذاتها حين يصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت إفلاس حكامهم- وهذا سيكون مدبرًا على أيدينا- فيصرخون هاتفين: "اخلعوهم وأعطونا حاكمًا عالمًا واحدًا يستطيع أن يوحدنا ويمحق كل أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها... حاكمًا يستطيع أن يمنحنا السلام والراحة اللَّذين لا يمكن أن يوجَدَا في ظل حكومة رؤسائنا وملوكنا وممثلينا، ولكنكم تعلمون علمًا دقيقًا وافيًا أنه لكي يصرخ الجمهور بمثل هذا الرجاء لا بد أن يستمر في كل البلاد اضطراب العلاقات القائمة بين الشعوب والحكومات فتستمر العداوات والحروب والكراهية والموت استشهادًا أيضًا، هذا مع الجوع والفقر ومع تفشي الأمراض، كل ذلك سيمتد إلى حدِّ أن لا يرى الأمميون "غير اليهود" أي مخرجٍ لهم من متاعبهم غير أن يلجئوا إلى الاحتماءِ بأموالنا وسلطتنا الكاملة، ولكننا إذا أعطينا الأمة وقتًا تأخذ فيه أنفاسها فإن رجوع مثل هذه الفرصة سيكون من العسير".

ولكن مَن هم مهندسو الفوضى الممسكون بزمام القرار الأمريكي الذين استطاعوا أن يحدثوا الانقلاب في 11من سبتمبر 2001م، ليبدأ مخططهم في التنفيذ على الفور على يد مَن أعدوه جيدًا من قبل ليكون الألعوبة أو بلفظ البروتوكول العاشر: (هذه السلطة سنعطيها للرئيس المسئول الذي سيكون ألعوبة "Mare Puppet" خالصة في أيدينا).

إنَّ السلسلةَ فيها الكثير من الأسماء بعضهم ساسة مدنيون وبعضهم مفكرون باحثون، وكما جرت العادة منذ حكم جيمي كارتر فإنَّ الأمرَ شبيه بـ"الأواني المستطرقة"؛ حيث إنَّ هناك منظومةً بين الإداراتِ الأمريكية ومراكز الأبحاث سمحت لقدماء "المحافظين" خلال فترة ريتشارد نيكسون أن يجدوا لهم ملجأ في المراكز خلال فترة "جيمي كارتر" (كما ذكرت اللوموند الفرنسية عدد 18/9/1978م تعتبر إدارة كارتر هي أكبر مخبأ لليهود والماسون مما لم يسبق له مثيل في الإدارات الأمريكية) ليعودوا بعد ذلك لتولي المناصب السياسية.

وفي إدارتي "رونالد ريجان" و"جورج بوش" الأب وفي فترة "بيل كلينتون" عاد هؤلاء إلى المعاهد والمؤسسات البحثية ومع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض استأنفوا نشاطهم ولكن بشكل أكثر قوة هذه المرة.
في يوم الثلاثاء الثاني من ديسمبر عام 2000م، وقع ما يُسمَّى "بالانقلاب القضائي" الذي نفذته عصابة القضاة المحافظين الخمسة في المحكمة الأمريكية العليا "فسلَّموا انتخابات الرئاسة إلى المرشح المحافظ "جورج بوش"، وكما هو معروف فاز بوش بالرئاسة على منافسه آل جور بأصوات خمسة قضاة مقابل أربعة في المحكمة، وفي حينه رأى الكثيرون من الليبراليين الأمريكيين أن المحكمة العليا "سرقت" نتائج الانتخابات الرئاسية في وضح النهار، وأن القضاة الخمسة خافوا من ظهور الحقيقة فتدخلوا لمنع إحصاءِ كل الأصوات وهو إجراء لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة.

يقول "مات بروكس"- الذي يرأس "التحالف الجمهوري اليهودي في أمريكا"-: إن بوش يعتقد أن "إسرائيل" هي وطنه الروحي بقدر ما هي وطن روحي لي أنا اليهودي، وتنقل نيوزويك الأمريكية عن صديق بوش الآخر اليهودي الأرثوذوكسي الملتزم "دونالد إيترا" أن لبوش أصدقاء ذوي اهتمامات بالغة العمق "بإسرائيل"، ولأنه بات أكثر تَدَيٌّنًا في السنوات الأخيرة فقد أصبح مهتمًا بها بالعمق الذي يوليه أصدقاؤَه هؤلاء تمامًا.

وتقول "نيوزويك": إنَّ زيارةَ بوش لإسرائيل في عام 1998م والتي رتبها له صديقه "مات بروكس" ضمن مجموعة من حكام الولايات المتحدة الآخرين، وقام في أثنائها مع "إرييل شارون" بجولة في طوافة فوق الضفة الغربية والجولان لم تكن فقط زيارة استطلاع لجغرافيا إسرائيل ولا حتى هي جولة سياسية لقد كانت رحلة في التاريخ التوراتي ختمها بزيارة لجبل الموعظة؛ حيث وقف بوش يُصلي وقد فاضت عيناه بالدموع وعندما عاد إلى تكساس كانت إسرائيل قد استقرَّت في قلبه منذ ذلك اليوم.

إنَّ مهندسي الفوضى الخلاقة من عصابة الشر التي استولت على البيت الأبيض ليسوا هم "تشيني" نائب الرئيس ولا وزير الدفاع السابق رامسفيلد أو كونداليزا رايس وزيرة الخارجية وإنما المهندسون هم المرشدون "الفكريون" لهؤلاء، وهم من عتاة الصهاينة اليهود وأشدهم مثل "ريتشارد بيرل"، "وليام كريستول"، "بول وولفوتيتز"، "دوجلاس فيث"، "صموئيل هنتنجتون"، "روبرت كاغان".

أما ريتشارد بيرل فهو الرجل الأكثر نفوذًا في إدارة بوش، وهو رئيس اللجنة الاستشارية السياسية الدفاعية في وزارة الدفاع، وهو صاحب النظرية التي اعتبرت سقوط العراق "هدفًا تكتيكيًّا" يليه "هدف إستراتيجي" هو إسقاط السعودية لتكون مصر بعد ذلك هي "الجائزة الكبرى"، ويعتبر بيرل الآن بشهادة "داناميل بانك" في "الواشنطن بوست" المرشد الفكري لمجموعةِ المحافظين الجدد التي تشارك في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، وعندما كان بيرل مساعدًا للسيناتور هنرى جاكسون حققت المباحث الفيدرالية الأمريكية معه بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.. حدث ذلك في عهد الرئيس "جيرالد فورد"، لكن التحقيق أُوقف بأمرٍ من البيت الأبيض ليظهر بيرل بعد ذلك مسئولاً في وزارة الدفاع طيلة السنوات التالية التي حكم فيها رونالد ريجان، وقد عُرف في حينه باسم "أمير الظلام"، وقد كان "رامسفيلد" خاتمًا في إصبع "بيرل" وصديقه "وولفويتز"، وهذا الأخير صهيوني ليكودي صديق لبنيامين نتنياهو، ولبيرل تلميذ آخر في وزارة الخارجية هو "جون بولوتون".

ويعتبر الناشر "وليام كريستول" هو المنَظِّر الآخر لمهندسي الفوضى وهو ابن "إرفينج كريستول" الأكاديمي اليهودي الشهير وأحد كبار الناشرين والتي تعتبر مجلته "ذي ويكلي استاندرد" هي الناطق الرسمي باسم المحافظين الجدد الذي صنع من موظف ياباني خامل في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1988م كاتبًا مشهورًا من خلال رعايته لنظرية نهاية التاريخ لصاحبها "فرانسيس فوكوياما".

أما "صموئيل هنتنجتون" فهو مدير معهد أولين للدراسات الإستراتيجية في هارفارد وصاحب الكتاب الشهير بـ"صدام الحضارات" عام 1993م الذي أصبح المرجع المعتمد لدى الغرب في تشخيص الحضارة الإسلامية ومحاولة ضربها والقضاء عليها، وأما "روبرت كاغان" فهو صاحب نظرية "القوة" والتي يقول فيها: "إن الأمن الحقيقي يعتمد على امتلاك واستخدام الجبروت العسكري"، وهم يعتبرونه منَظِّر "الإمبريالية الجديدة" التي تبناها اليوم مهندسو الفوضى الخلاقة من المحافظين الجدد مع "اليمين المسيحي الأصولي" المسيطرون على الحكم في الولايات المتحدة.

وإذا رجعنا لمصر مرةً أخرى وبمناسبة ما يجري الآن من تعديلات دستورية سوف تكرس للفوضى وتدفع في اتجاه تنفيذ مخططات مهندسي الفوضى من اليهود سوف نستشهد مرةً أخرى بما جاء في البروتوكول العاشر أيضًا بالنص (وبإرشادنا سيفسِّر الرئيس القوانين التي يمكن فهمها بوجوه عِدَّة وهو- فوق ذلك- سَيَنقض القوانين في الأحوال التي نعد فيها هذا النقض أمرًا مرغوبًا فيه، وسيكون له أيضًا حق اقتراح قوانين وقتية جديدة، بل له كذلك إجراء تعديلات في العمل الدستوري للحكومة محتجًا لتنفيذ ذلك العمل بأنه أمر تقتضيه سعادة البلاد).

إنَّ العجيبَ والغريب والمريب في ذات الوقت أن يتغافل الحكام عمَّا تفيض به الصحافة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص من مقالات وتحليلات حول السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ونظرية الفوضى الخلاقة التي صمِّمَت لخدمة مصالح الصهيونية وتنفيذًا لبروتوكولات حكمائها، والتي نرى آثارها بادية للعيان أمامنا في العراق وفلسطين والسودان والدور قادم على إيران والسعودية ومصر فإذا كان حكامنا يعلمون ذلك فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعلمون، فالمصيبة أكبر والجرم أفدح ولن يغفر لهم التاريخ أبدًا.

الاثنين، 5 مارس 2007

مصـــر والفوضـــــى الخلاقـــــة ـ م. فتحي شهاب





نشأت فكرة "الفوضى الخلاقة" أو"الاضطراب البناء" من خلال الصراعات المسلحة، فحينما كان الموقف العسكرى على مسرح العمليات يتجمد بين طرفين متحاربين وتتوقف مقدرة الطرفين على إحداث هزيمة بالطرف الآخر كان أحد الطرفين يلجأ إلى تفجير الموقف بشكل غير عادى ثم يقوم بتجميع الشظايا لبناء موقف جديد يكون أكثر ملائمة لأهدافه.

التقط المحافظون الجدد وهم المجموعة المحيطة بالرئيس الأمريكى بوش والتى تشكل مطبخ صناعة القرار الفكرة وراحوا يأصلونها ويروجون لها فى العالم، ويؤكد هذه الفكرة دراسة أخيرة نشرها الدكتور "روبرت ساتلوف" مدير معهد واشنطون لشئون الشرق الأدنى من موقعه الخاص على شبكة الانترنت وقد دارت محاور الدراسة حول السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط واستراتيجية "الفوضى الخلاقة" التى تنتهجها الإدارة الأمريكية فى المنطقة والتى تهدف من ورائها إلى خلخلة أوضاعها عن طريق إحداث هزات عنيفة فى البلدان العربية ثم إعادة بنائها من جديد على أسس ديمقراطية – على حد قوله – وقد أكد الدكتور " ساتلوف " أن إدارة الرئيس بوش تؤمن بتلك السياسة وأنها قدرت فترة قد تستغرق حوالى عشر سنوات ليتم تنفيذها فى المنطقة. ولم تقف الدراسة عند هذا الحد ولكنها طالبت الولايات المتحدة بضرورة تشجيع الديمقراطية فى العالم العربى ومساندة الذين ينادون بها مادياً ومعنوياً كما دعى الإدارة الأمريكية لرفض الاقتراح الذى ينادى به بعض الساسة الأمريكيين المشاركين فى اتخاذ القرار والخاص بإقامة حوار مع الأطراف التقليدية ومطالبة بوش بدعم العلاقة مع الليبراليين العرب الذين اعتبرهم "ساتلوف" الأقرب إلى الولايات المتحدة ويؤمنون بنموذج الديمقراطية الأمريكية، وخلاصة هذه النظرية المدمرة تقوم على زعزعة الأوضاع فى دولة ما حتى لو كانت حليفة أو صديقة وتحريض القوى السياسية والاجتماعية فى الداخل لتتحرك رفضاً لنظام الحكم القائم حتى يجد نفسه أمام احتمالين، إما أن يسقط نهائياً وإما أن يخضع للضغوط الأجنبية وينصاع لمطالبها وفى الحالتين يستطيع مهندسو"الفوضى الخلاقة" إعادة بناء الدولة وتركيب قواها ومؤسساتها وفق مخططاتهم وأهدافهم.

والفوضى الخلاقة أنواع فمنها العنيف ومنها الهادئ وبالنسبة للنوع الأول فالمثال الصارخ والواضح له فى العراق حيث قام الجيش الأمريكى باحتلال العراق وتدميره وإطلاق كل قوى الفوضى والسرقة والنهب والقتل والثأر والتصفية العرقية والطائفية بينما هو قابع ينتظر انتهاء حالة الفوضى إلى حالة جديدة "خلاقة" يبنيها على عينيه.

وفى فلسطين لعبت "الفوضى الخلاقة" ولا زالت تلعب دوراً أساسياً فى إثارة الخلافات بين حركتى فتح وحماس وكلما حدث تقارب بينهما أشعلت نيران الخلاف من جديد أملاً فى إشعال حرب أهلية تأتى على الأخضر واليابس وعلى أمل البناء فوق الأنقاض بما يتناسب مع المشروع الصهيوأمريكى. وما ينطبق على العراق وفلسطين ينطبق أيضاً على السودان والصومال.

والنوع الثانى من "الفوضى الخلاقة" الأمريكية والتى تبدو أقل دموية من المشهد العراقى أو الفلسطينى أو الصومالى يتمثل فى أربع ساحات رئيسية فى المنطقة العربية والإسلامية تبدأ بإيران التى دخلت مع أمريكا والغرب لعبة الشد والجذب حول برنامجها النووى التى مضت فيه قدماً بثبات وقوة رغم كل التهديدات بينما أمريكا وحلفائها مترددين فى الانقضاض العسكرى عليها خوفاً من رد الفعل الإيرانى الذى سوف يكون مدمراً لمصالح أمريكا فى المنطقة وخاصة فى العراق ودول الخليج ولذلك فإن اختيارات "الفوضى الخلاقة" ما زالت تحت الاختبار حتى الآن.

أما فى لبنان فقد قطعت "الفوضى الخلاقة" شوطاً بعيداً بدأ بقتل "رفيق الحريرى" رئيس وزراء لبنان ثم اتجهت أصابع الاتهام تشير إلى سوريا وبادرت الأمم المتحدة باستصدار القرار 1559 والذى على إثره خرجت سوريا من لبنان ثم بدأت الفوضى فى استدعاء كل المطرودين من لبنان والمتعاملين مع العدو الصهيونى فى السابق بحجة التسامح وفتح صفحة جديدة من المصالحة الوطنية ثم اختلط الحابل بالنابل واستطاع مهندسو الفوضى أن يخرجوا كل الفرقاء إلى الشارع وبنزول الجيش أيضاً تكون الحلقة قد اكتملت للبناء وفقاً للمصلحة الصهيوأمريكية. وعلى الجانب الآخر مارست "الفوضى الخلاقة" شكلاً آخر لها فى السعودية وبعض دول الخليج بالضغط الناعم والحاسم فى نفس الوقت واستغلت اندلاع الهجمات الإرهابية التى هى من إعدادها سلاحاً إضافياً للضغط على نظام الحكم من ناحية ولممارسة سياسات ابتزازية ضد السعودية لإجراء إصلاحات داخلية من ناحية أخرى رغم أن السعودية هى أكبر مصدر للنفط وأهم شريك للغرب عموما،ً والآن نأتى إلى مصر وقد يظن البعض أنها بعيدة عن مرمى "الفوضى الخلاقة" وهذا نوع من الوهم. إن النغمة التى يرددها بعض السياسيين من أن مصر هى حليف رئيسى لأمريكا ولا يمكن لأمريكا الاستغناء عنها أو المخاطرة بممارسة لعبة "الفوضى الخلاقة" معها احتفاظاً بنظام حكمها الحليف قوياً ومتماسكاً، ولهؤلاء نقول إن من يراهن على الصداقة الأمريكية فهو خاسر مقدماً لأن المصالح الأمريكية لا تعرف الصداقة والذى يتغطى بالأمريكان فهو عريان. إن ما يحدث فى مصر الآن من حراك سياسي على كل الأصعدة من خلال القوى السياسية والاجتماعية التى ترفض الأوضاع الراهنة المتجمدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتبحث عن التغيير السلمى عن طريق الإصلاح الديمقراطى والتى تصطدم بنظام ديكتاتورى مستبد منصاعاً لمهندسى "الفوضى الخلاقة" ومستخدماًُ القوة الأمنية الباطشة وأقصى درجات العنف من ضرب وسحل فى الشوارع واعتقال لا يفرق بين عابر طريق ومتظاهر وبين صحفى يؤدى عمله أو قاض فى طريقه إلى منصته. لقد كان يمكن للنظام أن يسد الطريق أمام الفوضى الأمريكية الخلاقة التى سوف تستغل هذا الحراك وأن يجيب مطالبهم العادلة ولكن يبدو أن مساندة أمريكا للنظام جعلته يستقوى على معارضيه فيضرب ويبطش ويحول المدنيين إلى محاكم عسكرية حتى أصبح النظام فى خصام وقطيعة مع كل القوى السياسية فى مصر من قضاة وصحفيين ومحامين ومهندسين وأساتذة جامعات وعمال وطلبة بل وزاد الطين بلة أن يلجأ النظام إلى العبث بالدستور وتعديل 34 مادة على رأسها المادة (1) والتى سوق تكرس الطائفية والفرقة بين أبناء الأمة تحت دعوى المواطنة والتى سوف تفتح الباب على مصرعيه لدخول الفوضى الأمريكية الخلاقة.