الثلاثاء، 15 يونيو 2010

النيـــــل والمستقبــــل ( 1- 5 ) ـ بقلم م. فتحي شهاب الدين


لم يكن غريبا أن يتعبد المصريون القدماء للنيل عبر العديد من الأرباب فهم " حابي " رب النيل و " خنوم " رب الفيضان " و " الضفدعة " ربة المياه .
ومن النيل اتخذت أقدم رموز المملكتين القديمتين قبل توحيدهم علي يد " مينا " مثل " نبات البردي " لمملكة الشمال وزهرة " اللوتس " لمملكة الجنوب .
لقد مثل النيل العمود الفقري للحياة المصرية في ميدان الزراعة والعقيدة والتنظيم الاجتماعي ومختلف جوانب الحياة , من طميه صنعوا الطوب اللبن لبناء بيوتهم ومن أخشاب أشجاره وغابه صنعوا أدواتهم وآلاتهم الموسيقية واقتاتوا علي المحاصيل والنباتات والحيوانات والطيور التي تعيش علي ضفافه .
وليس في العالم كله نهر له من الفضل علي قطر كبير وساكنيه مثلما لنهر النيل من الفضل علي مصر وساكنيها ولذا فقد حفل التراث الشعبي المصري ولهجت ألسنة الشعراء والأدباء ثناءََ علي النيل الذي كان ملهِماً لهم فهذا هو الشاعر المهندس محمود حسن إسماعيل في أوج معركة السويس يكتب عن النيل وتتحول كلماته إلي نشيد يردده الجميع :
أنا النيل مقبرة للغزاة أنا الشعب ناري تبيد الطغاة
أنا الموت في كل شبر إذا عدوك يا مصر لاحت خطاه

وفي قصيدته "النهر الخالد" يشيد بالنهر وجريانه بالليل والنهار حتي يصل إلي مصبه في مصر فيقول :

شابت علي أرضه الليالي وضيعت عمرها الجبال

ولم يزل ينشـــــد الديارا ويسأل الليل والنهارا

آه علي ســــــرك الرهيب وموجك التائه الغريب

يا نيل يا ســــاحر العيون

ولأن النيل ينبع من الحبشة حيث النجاشي ولأن أكثر المياه تأتي منها فقد تغني الشعراء بميلاد النيل :

النيل " نجاشي" حليوة أسمر عجب للونه دهب ومرمر



وللنيل موسمان : موسم الفيضان بين شهر يوليو وسبتمبر حيث يبلغ منسوبه 16 ذراعا - أو أكثر من ثمانية أمتار - وموسم التحاريق أو الجفاف بقية العام يبذر فيه المصريون الحبوب ويتابعون نموها حتي مواسم الحصاد .

وكان جفاف النهر وعدم وصول مياهه إلي الذراع السادسة عشر علي مقياسه هو أخطر الكوارث التي تحيق بالأرض والبشر والدولة والنظام فتنعدم الخيرات والمحاصبل وترتفع الأسعار ولا يعود هناك سوي الفوضي والخراب والمجاعة كما حدث في الشدة المستنصرية ( 1065 – 1071 م ) .

وفي العصر الحديث أدرك والي مصر " محمد علي باشا " أهمية النيل أكثر وقرر السيطرة عليه من المنبع إلي المصب .... وبالفعل تم له ذلك فسيطر جيشه علي ملتقي النيل الأبيض بالأزرق عام 1816 م , ثم قسم جيشه إلي قسمين : قسم سلك مجري النيل الأزرق والآخر سلك مجري النيل الأبيض محاولين الوصول إلي المنبع .

ورغم خروج المصريين من السودان عام 1885 م احتفظوا لأنفسهم بحامية عسكرية في المنطقة الاستوائية محاولين بذلك الإبقاء علي سيطرتهم علي أعالي النيل ..وبقيت هذه الحامية إلي عام 1892 م عندما خرجت بعد تآمر الانجليز علي مصر واحتلالهم لمصر والسودان .

وقد عبر اللورد ميلز – وهو كاتب انجليزي عني بنشاط بريطانيا في المستعمرات الأفريقية عن حالة المصريين نتيجة فقدانهم السيطرة علي نهر النيل بقوله :

( من المزعج أن نفكر في أن إمداد المياه المنتظم بواسطة النهر العظيم الذي هو بالنسبة لمصر ليس مسألة رخاء ورفاهية بل هو في الواقع مسألة حياة سيتعرض دائما للخطر طالما أن مياه أعالي النيل ليست تحت سيطرة مصرية ).

ثم يذهب اللورد ميلز إلي البعد المستقبلي - وكأنه كان يستشرف المستقبل - فيقول : ( من ينبئنا بما يحدث لو أن دولة متحضرة كبري أو ان دولة لديها مهارة فنية قامت في يوم ما بمشروعات هندسية في أعالي النيل وحولت المياه اللازمة للري في مصر من اجل ري تلك المنطقة , قد يبدو هذا الإجراء بعيدا .. لكن لن تشعر مصر بأي راحة أبدا ..... )

منــــابـــــع النيــــــــــل

يبسط النيل سلطانه على الجزء الأكبر من شرق أفريقيا ، ويبلغ طوله نحو 6700

كم من منابعه في الجنوب الشرقي من القارة وحتى البحر المتوسط ، وتقدر مساحة حوض النيل بنحو 2.9 مليون متر مربع ، وتشمل أجزاء من دول رواندا ، وبروندي ، تنزانيا ، كينيا ، وأوغندا ، وزائير ، وثلث الأراضى الإثيوبية ، وجزء كبير من مساحة السودان ومصر ومن المعروف أن الإيراد السنوي للنيل يختلف بين سنة وأخري فبينما يصل في أقلها إلي 42 مليار متر مكعب سنويا ، يرتفع في أكثرها إلي 150 مليار متر مكعب ، وقد بلغ متوسط الإيراد السنوي للنيل خلال القرن الحالي مقدراً عند أسوان 84 مليار متر مكعب سنويا ويستجمع مياهه من ثلاثة أحواض رئيسية هي:-

*الهضبة الأثيوبية

*هضبة البحيرات الاستوائية

*حوض بحر الغزال

أولا- الهضبة الأثيوبية:

تمثل الهضبة الأثيوبية أهم منابع النيل وأخطرها علي الإطلاق، إذ تمد النيل الرئيسي عند أسوان بنحو 85% من متوسط الإيراد السنوي (71مليار م3 سنويا ) خلال موسم الفيضان ومدته ثلاثة شهور فقط، وتتجمع مياه الهضبة الأثيوبية من عدد من الأنهر علي النحو التالي :

1- نهر السوباط

ويلتقي هذا النهر بالنيل الأبيض قرب مدينة ملكال جنوب السودان ويبلغ متوسط الايراد السنوي من مياه نهر السوباط نحو 11مليار متر مكعب مقدرة عند أسوان ، وأهم الفروع الرئيسية لنهر السوباط هي :

- نهر البارو، وإيراده السنوي المتوسط 13 مليار م3 يضيع منها 4 مليار م3 في مستنقعات مشار بجنوب السودان .

- نهر البيبور ويبلغ إيراده السنوي نحو2.8 مليار م3 يضيع منها نحو 8.مليار م3

2- النيل الأزرق

ويلتقي هذا النهر بالنيل الأبيض عند مدينة الخرطوم ، ويبلغ إيراده السنوي المتوسط مقدرا عند أسوان نحو 48 مليار م3 ويستجمع مياهه من عدد من الأنهر التي تنبع من جبال الهضبة الأثيوبية ومن بحيرة تانا .

3- نهر عطبرة

ويلتقي هذا النهر الرئيسي قرب الحدود المصرية السودانية ويبلغ متوسط الإيراد السنوي لمياه النهر نحو 11.5 مليار متر مكعب مقدرة عند أسوان.

ثانيا – الهضبة الإستوائية

ويمثل هذا المصدر أكثر المصادر انتظاما في امتداد النيل بالمياه علي مدار العام ويبلغ المتوسط السنوي للمياه الواردة من الهضبة الإستوائية نحو 13 مليار متر مكعب مقدرة عند أسوان , موزعة بين المصادر المختلفة علي النحو التالي:-

1- بحيرة فيكتوريا :

تعتبر أكبر ثاني بحيرة في العالم (23ضعف بحيرة تانا ، 11 ضعف بحيرة ناصر ) يقول "ونستون تشرشل" في كتابه (حرب النهر ) إن نهر النيل مثل نخلة البلح الكبيرة التي تمتد جذورها في وسط أفريقيا في بحيرة فيكتوريا ولها جذع كبير في مصر والسودان وقلبها وتاجها في دلتا مصر فإذا تم قطع الجذور فإن القلب سيجف وتموت النخلة .

- تبلغ مساحة البحيرة 67 ألف كيلو متر مربع ومساحة حوضها 195 ألف كيلو متر مربع وتقع البحيرة وحوضها في دول رواندا ، وبوروندي ، وتنزانيا ، وأوغندا ، وكينيا ، وزائير ، ولا يصل للبحيرة أكثر من 8% من جملة مياه حوضها وتصل المياه للبحيرة إما عن طريق الأمطار أو بعض الأنهار الصغيرة التي لا تعرف تصرفاتها بدقة ، وعن طريق نهر " الكاجيرا" الذي يعتبر من أهم مصادر المياه للبحيرة إذ يمدها بنحو 6 مليارات متر مكعب سنويا ويمر عبر مسيرته إلي البحيرة بدول رواندا وتنزانيا وبورندي وعلي الطرف الغربي من البحيرة يقع خزان أوين الذي يعتبر المخرج الرئيسي لها ويبلغ نحو 23.5 مليار متر مكعب سنويا لتصل إلي بحيرة كيوجا بنحو 22.5 مليار متر فقط.

2- بحيرة كيوجا

يمتد نيل فيكتوريا من بحيرة فيكتوريا حتي يصب في بحيرة كيوجا التي تقع داخل الأراضي الأوغندية ومن المعروف أن الأمطار المتساقطة علي البحيرة تفقد بالكامل نتيجة للتبخر والنتح من أوراق النباتات الطافية عليه ، علاوة علي فقد مليار متر مكعب آخر من المياه الواردة من نيل فيكتوريا وبذلك يبلغ متوسط الخرج السنوي من بحيرة كيوجا نحو 21.5 مليار متر مكعب متجهة عبر نيل فيكتوريا الي بحيرة ألبرت .

3- بحيرة ألبرت

وتقع هذه البحيرة في كل من أوغندا ، وزائير ، ويصب في طرفها الشمالي نيل فكتوريا ( 21.5 مليار م3 سنويا ) كما يصب في طرفها الجنوبي نهر السمليكي (4مليارت م3 سنويا ) ويستمد هذا النهر مياهه من بحيرات إدوارد وجورج وتخرج من البحيرة إلي نيل ألبرت 26,5 مليار م3 سنويا في المتوسط وتمثل المياه الواردة من نيل فيكتوريا ونهر السمليكى والأمطار المتساقطة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق