الثلاثاء، 20 مارس 2007

إلى أقبـــاط مصــــر ( 2-2) ـ م. فتحي شهاب




تعتبر مصر حضارياً وجغرافياً وتاريخياً واستراتيجياً جزء لا ينفصل من العالم الإسلامى. والكنيسة القبطية مؤسسة مصرية مائة بالمائة، فهى التى حمت استقلالية مصر ضد روما وبيزنطة، وهى التى رأت فى الفتح العربى – الإسلامى تحريراً وتأكيداً لاستقلال مصر ولذلك لم تقاومه بل تعاونت معه تعاوناً كاملاً.

والكنيسة المصرية هى التى وقفت مع المسلمين ضد التبشير الأجنبى الذى أراد أن يسلب المسلم والقبطى استقلاليتهما الوطنية بإلحاقهما بكنيسة الغرب الاستعمارية الأهداف والوسائل، فالكنيسة القبطية جزء لا ينفصل من التكوين الحضارى والبشرى لمصر.

لقد قادت مصر أيام صلاح الدين الأيوبى الدفاع عن العالم الإسلامى ضد المسيحية الغربية التى جاءت تستعمر بلادنا باسم الحروب الصليبية وفى تلك الفترة كان أقباط مصر ينالون " دير السلطان " فى القدس كلما انتصرت قوات السلطان الإسلامية وتعزز نفوذهم على الحبشة حتى يتوجوا ويخلعوا أباطرة الأحباش، وتمتد كنيستهم لتشمل برعايتها الأقباط فى السودان وغيرها .. فلما أنهار مركز مصر الإسلامية امتدت الأطماع الغربية إلى الكنيسة المصرية ذاتها وحاولت وما تزال أن تسلبها رعاياها، وانفصلت كنيسة الحبشة وضاع دير السلطان.

وعصر الشهداء فى تاريخ الكنيسة المصرية يسجل الذين قتلتهم الكنيسة الغربية، وبابا الكنيسة المصرية كان هارباً من السلطة البيزنطية المسيحية وأعاده المسلمون إلى كرسى البطريركية وأُمِّن على دينه وكنيسته فى ظل الفتح الإسلامى، وليس فى تاريخها عصر شهداء ضد المسلمين أو السلطة الإسلامية طوال تلك القرون التى مررنا بها.

إن كل كنائس العالم العربى لم تواجه الإسلام كما يهمس اليوم فى آذانها المفسدون والعلمانيون ولا احتمت بالصحراء أو الجبل خوفاً من المسلمين، بالعكس لقد ظهرت كانشقاق عن كنيسة الغرب وكعصيان فى وجه السلطة الأجنبية وسلطة المسيحية الغربية وليس الإسلام، وما من دارس للتاريخ ينكر أنه لولا الفتح الإسلامى ولولا سيوف المسلمين لاختفت هذه الكنائس فى ظل الهيمنة الرومانية أو البيزنطية ثم الأوروبية بعد ذلك ولسيطرت كنيسة واحدة واختفت تماماً الأقليات والكنائس المنشقة كما حدث فى أوروبا قبل عصر النهضة.

وتجربة التبشير فى العالم العربى تثبت أن الكنائس العربية كانت خسائرها أفدح من المسلمين وإذا كان من السهل على الشيخ المسلم أن يعبئ أتباعه ضد المبشر لأنه كافر ينسب التعدد إلى الله فيغلق بذلك باب النقاش، فإن القس يجد صعوبة فى إقناع المسيحى الأرثوزوكسى أو المارونى أو القبطى بأن يدخل فى دين آخر أو يكفر بالمسيحية إذا اعتنق الكاثولوكية أو البروتستانتية وغيرها من كنائس الغرب.

وهكذا كان الخطر الذى يهدد بقاء الكنائس العربية هو النفوذ الأجنبى فى شكل الإرساليات والنشاط الكنسى العالمى وليس المسلمين الذين حفظوا هذا الوجود أربعة عشر قرناً مرت فيها قرون ما كان فيها من عاصم إلا تعاليم دينهم وروح حضارتهم.

من هنا يحق لنا القول أن القبطى المخلص للكنيسة هو مع مصر الإسلامية، والمصرى مهما يكن معتقده الدينى مع مصر الإسلامية التعبير والحضارة والاستراتيجية والتاريخ والثقافة لأنه لا توجد ثقافة فرعونية ولا قبطية ذات وزن حضارى مؤثر اليوم، فليس أمامنا إلا الثقافة العربية – الإسلامية نتمسك بها جميعاً ونؤكد من خلالها استقلالنا وذاتيتنا وإما نسقط فى ثقافة الآخرين.

إن الإخوان المسلمون يفهمون ذلك جيداً ولا يقبلون اضطهاد الأقباط وهم مع استقلالية واستمرارية الكنيسة المصرية ومشاعرهم تجاه إخوانهم الأقباط أصدق حرارة وأعمق حباً من دموع التماسيح التى يذرفها مجلس الكنائس العالمى المخطط والراغب فى ابتلاع الكنيسة المصرية، ومن هؤلاء الذين باعوا مصر وكنيستها من أجل ورقة الإقامة الخضراء فى الولايات المتحدة وكندا والثمن الذى يدفعونه هو حملة التشهير عن الاضطهاد الواقع على الأقباط فى مصر. يبقى السؤال المطروح على الساحة الآن وهو ما هى الضمانات التى تكفل فى المستقبل عدم انقلاب الإخوان على المبادئ السامية التى أعلنوها فى برنامجهم والخاصة بالإخوة الأقباط إن هم شاركوا فى السلطة من خلال تداول سلمى ديمقراطى؟ والإجابة تكمن فى أن الضمان موجود فى عقيدتهم المستمدة من كتابهم وسنة نبيهم والمتمثلة فى النقاط التالية:

إن الإسلام لا يعادى الناس لمجرد اختلاف العقائد طالما لم يبدأوا المسلمين بالاعتداء لقوله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".

تأكيد الإسلام على وحدة الأصل الإنسانى وكرامة الإنسان دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون لقوله تعالى:" ولقد كرمنا بنى آدم" فالكرامة للجميع دون تمييز.

تأكيد القرآن على احترام الأنبياء والأديان السابقة على الإسلام فلا توجد كلمة واحدة فى التراث الإسلامى تسئ إلى المسيح عليه السلام وأمه الصديقة مريم عليهما السلام.

أن الإسلام لا يٌكره الإنسان على تبديل عقيدته واعتناق الإسلام لقوله تعالى" لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى".

ضمان العدالة لقوله تعالى" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

اختصاص أهل الكتاب بعدل خاص لقول رسول الله ( ص ) " من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو انتقص أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة".

اختصاص أقباط مصر بالوصية النبوية فقد أوصى النبى ( ص ) الجنود الفاتحين بأقباط مصر خيراً فى وصية خالدة قال فيها" إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم دماً ورحماً وفى رواية ( ذمة ورحماً) وفى حديث أم سلمة " الله الله فى قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعواناً فى سبيل الله ".

موقف عٌمَر بن الخطاب – رضى الله عنه - من ابن عَمْرو بن العاص الذى ضرب قبطياً لمجرد أنه فاز عليه فى سباق فقد أمر القبطى بأن يضرب ابن عَمْرو بن العاص ولم يكتفى بذلك بل أمره بأن يضرب عَمْرو نفسه قائلاً " اجعلها على صلعة عَمْرو فوالله ما ضربك إلا بسلطان أبيه " فهل بعد كل ذلك نتحدث عن اضطهاد الأقباط فى مصر ونوايا الإخوان تجاههم إذا شاركوا فى السلطة؟ أعتقد أن الأقباط المخلصين لكنيستهم يعوا ذلك جيداً أما المرجفين من العلمانيين الكارهين للإسلام فلهم عذرهم حيث يؤدون الدور المرسوم لهم للحيلولة دون التقاء وتفاهم المسلمين بإخوانهم الأقباط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق