الأربعاء، 7 مارس 2007

عصابة الشر ـ م. فتحي شهاب





تحدثنا في مقالٍ سابقٍ عن إستراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في المنطقة والتي تهدف من ورائها إلى خلخلةِ أوضاعها عن طريق إحداث هزَّات عنيفة في البلدان العربية ثم إعادة بنائها من جديدٍ وفقًا للمصالح الأمريكية، وفي هذه الحلقة نتطرق إلى جذورِ الفكرة والمحركون لها ومهندسوها الأوائل والجدد من اليهود.

فإذا رجعنا إلى البروتوكول العاشر فسوف نقرأ ما يلي: (إن حُكْمَنا سيبدأ في اللحظة ذاتها حين يصرخ الناس الذين مزقتهم الخلافات وتعذبوا تحت إفلاس حكامهم- وهذا سيكون مدبرًا على أيدينا- فيصرخون هاتفين: "اخلعوهم وأعطونا حاكمًا عالمًا واحدًا يستطيع أن يوحدنا ويمحق كل أسباب الخلاف، وهي الحدود والقوميات والأديان والديون الدولية ونحوها... حاكمًا يستطيع أن يمنحنا السلام والراحة اللَّذين لا يمكن أن يوجَدَا في ظل حكومة رؤسائنا وملوكنا وممثلينا، ولكنكم تعلمون علمًا دقيقًا وافيًا أنه لكي يصرخ الجمهور بمثل هذا الرجاء لا بد أن يستمر في كل البلاد اضطراب العلاقات القائمة بين الشعوب والحكومات فتستمر العداوات والحروب والكراهية والموت استشهادًا أيضًا، هذا مع الجوع والفقر ومع تفشي الأمراض، كل ذلك سيمتد إلى حدِّ أن لا يرى الأمميون "غير اليهود" أي مخرجٍ لهم من متاعبهم غير أن يلجئوا إلى الاحتماءِ بأموالنا وسلطتنا الكاملة، ولكننا إذا أعطينا الأمة وقتًا تأخذ فيه أنفاسها فإن رجوع مثل هذه الفرصة سيكون من العسير".

ولكن مَن هم مهندسو الفوضى الممسكون بزمام القرار الأمريكي الذين استطاعوا أن يحدثوا الانقلاب في 11من سبتمبر 2001م، ليبدأ مخططهم في التنفيذ على الفور على يد مَن أعدوه جيدًا من قبل ليكون الألعوبة أو بلفظ البروتوكول العاشر: (هذه السلطة سنعطيها للرئيس المسئول الذي سيكون ألعوبة "Mare Puppet" خالصة في أيدينا).

إنَّ السلسلةَ فيها الكثير من الأسماء بعضهم ساسة مدنيون وبعضهم مفكرون باحثون، وكما جرت العادة منذ حكم جيمي كارتر فإنَّ الأمرَ شبيه بـ"الأواني المستطرقة"؛ حيث إنَّ هناك منظومةً بين الإداراتِ الأمريكية ومراكز الأبحاث سمحت لقدماء "المحافظين" خلال فترة ريتشارد نيكسون أن يجدوا لهم ملجأ في المراكز خلال فترة "جيمي كارتر" (كما ذكرت اللوموند الفرنسية عدد 18/9/1978م تعتبر إدارة كارتر هي أكبر مخبأ لليهود والماسون مما لم يسبق له مثيل في الإدارات الأمريكية) ليعودوا بعد ذلك لتولي المناصب السياسية.

وفي إدارتي "رونالد ريجان" و"جورج بوش" الأب وفي فترة "بيل كلينتون" عاد هؤلاء إلى المعاهد والمؤسسات البحثية ومع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض استأنفوا نشاطهم ولكن بشكل أكثر قوة هذه المرة.
في يوم الثلاثاء الثاني من ديسمبر عام 2000م، وقع ما يُسمَّى "بالانقلاب القضائي" الذي نفذته عصابة القضاة المحافظين الخمسة في المحكمة الأمريكية العليا "فسلَّموا انتخابات الرئاسة إلى المرشح المحافظ "جورج بوش"، وكما هو معروف فاز بوش بالرئاسة على منافسه آل جور بأصوات خمسة قضاة مقابل أربعة في المحكمة، وفي حينه رأى الكثيرون من الليبراليين الأمريكيين أن المحكمة العليا "سرقت" نتائج الانتخابات الرئاسية في وضح النهار، وأن القضاة الخمسة خافوا من ظهور الحقيقة فتدخلوا لمنع إحصاءِ كل الأصوات وهو إجراء لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة.

يقول "مات بروكس"- الذي يرأس "التحالف الجمهوري اليهودي في أمريكا"-: إن بوش يعتقد أن "إسرائيل" هي وطنه الروحي بقدر ما هي وطن روحي لي أنا اليهودي، وتنقل نيوزويك الأمريكية عن صديق بوش الآخر اليهودي الأرثوذوكسي الملتزم "دونالد إيترا" أن لبوش أصدقاء ذوي اهتمامات بالغة العمق "بإسرائيل"، ولأنه بات أكثر تَدَيٌّنًا في السنوات الأخيرة فقد أصبح مهتمًا بها بالعمق الذي يوليه أصدقاؤَه هؤلاء تمامًا.

وتقول "نيوزويك": إنَّ زيارةَ بوش لإسرائيل في عام 1998م والتي رتبها له صديقه "مات بروكس" ضمن مجموعة من حكام الولايات المتحدة الآخرين، وقام في أثنائها مع "إرييل شارون" بجولة في طوافة فوق الضفة الغربية والجولان لم تكن فقط زيارة استطلاع لجغرافيا إسرائيل ولا حتى هي جولة سياسية لقد كانت رحلة في التاريخ التوراتي ختمها بزيارة لجبل الموعظة؛ حيث وقف بوش يُصلي وقد فاضت عيناه بالدموع وعندما عاد إلى تكساس كانت إسرائيل قد استقرَّت في قلبه منذ ذلك اليوم.

إنَّ مهندسي الفوضى الخلاقة من عصابة الشر التي استولت على البيت الأبيض ليسوا هم "تشيني" نائب الرئيس ولا وزير الدفاع السابق رامسفيلد أو كونداليزا رايس وزيرة الخارجية وإنما المهندسون هم المرشدون "الفكريون" لهؤلاء، وهم من عتاة الصهاينة اليهود وأشدهم مثل "ريتشارد بيرل"، "وليام كريستول"، "بول وولفوتيتز"، "دوجلاس فيث"، "صموئيل هنتنجتون"، "روبرت كاغان".

أما ريتشارد بيرل فهو الرجل الأكثر نفوذًا في إدارة بوش، وهو رئيس اللجنة الاستشارية السياسية الدفاعية في وزارة الدفاع، وهو صاحب النظرية التي اعتبرت سقوط العراق "هدفًا تكتيكيًّا" يليه "هدف إستراتيجي" هو إسقاط السعودية لتكون مصر بعد ذلك هي "الجائزة الكبرى"، ويعتبر بيرل الآن بشهادة "داناميل بانك" في "الواشنطن بوست" المرشد الفكري لمجموعةِ المحافظين الجدد التي تشارك في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، وعندما كان بيرل مساعدًا للسيناتور هنرى جاكسون حققت المباحث الفيدرالية الأمريكية معه بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.. حدث ذلك في عهد الرئيس "جيرالد فورد"، لكن التحقيق أُوقف بأمرٍ من البيت الأبيض ليظهر بيرل بعد ذلك مسئولاً في وزارة الدفاع طيلة السنوات التالية التي حكم فيها رونالد ريجان، وقد عُرف في حينه باسم "أمير الظلام"، وقد كان "رامسفيلد" خاتمًا في إصبع "بيرل" وصديقه "وولفويتز"، وهذا الأخير صهيوني ليكودي صديق لبنيامين نتنياهو، ولبيرل تلميذ آخر في وزارة الخارجية هو "جون بولوتون".

ويعتبر الناشر "وليام كريستول" هو المنَظِّر الآخر لمهندسي الفوضى وهو ابن "إرفينج كريستول" الأكاديمي اليهودي الشهير وأحد كبار الناشرين والتي تعتبر مجلته "ذي ويكلي استاندرد" هي الناطق الرسمي باسم المحافظين الجدد الذي صنع من موظف ياباني خامل في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1988م كاتبًا مشهورًا من خلال رعايته لنظرية نهاية التاريخ لصاحبها "فرانسيس فوكوياما".

أما "صموئيل هنتنجتون" فهو مدير معهد أولين للدراسات الإستراتيجية في هارفارد وصاحب الكتاب الشهير بـ"صدام الحضارات" عام 1993م الذي أصبح المرجع المعتمد لدى الغرب في تشخيص الحضارة الإسلامية ومحاولة ضربها والقضاء عليها، وأما "روبرت كاغان" فهو صاحب نظرية "القوة" والتي يقول فيها: "إن الأمن الحقيقي يعتمد على امتلاك واستخدام الجبروت العسكري"، وهم يعتبرونه منَظِّر "الإمبريالية الجديدة" التي تبناها اليوم مهندسو الفوضى الخلاقة من المحافظين الجدد مع "اليمين المسيحي الأصولي" المسيطرون على الحكم في الولايات المتحدة.

وإذا رجعنا لمصر مرةً أخرى وبمناسبة ما يجري الآن من تعديلات دستورية سوف تكرس للفوضى وتدفع في اتجاه تنفيذ مخططات مهندسي الفوضى من اليهود سوف نستشهد مرةً أخرى بما جاء في البروتوكول العاشر أيضًا بالنص (وبإرشادنا سيفسِّر الرئيس القوانين التي يمكن فهمها بوجوه عِدَّة وهو- فوق ذلك- سَيَنقض القوانين في الأحوال التي نعد فيها هذا النقض أمرًا مرغوبًا فيه، وسيكون له أيضًا حق اقتراح قوانين وقتية جديدة، بل له كذلك إجراء تعديلات في العمل الدستوري للحكومة محتجًا لتنفيذ ذلك العمل بأنه أمر تقتضيه سعادة البلاد).

إنَّ العجيبَ والغريب والمريب في ذات الوقت أن يتغافل الحكام عمَّا تفيض به الصحافة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص من مقالات وتحليلات حول السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ونظرية الفوضى الخلاقة التي صمِّمَت لخدمة مصالح الصهيونية وتنفيذًا لبروتوكولات حكمائها، والتي نرى آثارها بادية للعيان أمامنا في العراق وفلسطين والسودان والدور قادم على إيران والسعودية ومصر فإذا كان حكامنا يعلمون ذلك فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعلمون، فالمصيبة أكبر والجرم أفدح ولن يغفر لهم التاريخ أبدًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق