الاثنين، 28 أبريل 2008

المشروع القومى لتعمير سيناء بين الحقيقة والخيال ـ م.فتحى شهاب الدين






تقع سيناء بين ذراعى البحر الأحمر، خليج العقبة وخليج السويس حيث تمثل جزءاً مرتفعاً من صخور القارة الأفريقية الضاربة فى القِدَم والتى تنحدر نحو البحر المتوسط فى الشمال وتأخذ شكل المثلث تقريباً حيث تمتد قاعدته على ساحل هذا البحر بين رفح شرقاً وبور فؤاد غرباً ( حوالى 200كم ) أما رأس المثلث فتقع فى الجنوب عند رأس محمد التى تبعد حوالى 390كم عن ساحل البحر المتوسط وتبلغ مساحة شبه الجزيرة نحو 61.000 كم2 أى أنها تعادل ثلاثة أمثال مساحة الدلتا وتضم فى داخلها إلى جانب القمم المرتفعة مجموعة من المضايق تترابط طوبوغرافياً مع بعضها، أهمها مضيق المليز وممر متلا. ويعتبر موقعها الجغرافى حلقة اتصال بين أكثر البلاد الواقعة شرقى حوض البحر المتوسط ( انظر الخريطة ).


سيناء وإسرائيل:


أطماع الصهاينة فى سيناء ليست وليدة اليوم ولكنها بدأت منذ مطلع هذا القرن بمشروع الاستيطان فى سيناء الذى أعده هرتزل عام 1903م وقد جعل المخطط الإسرائيلى من سيناء مسرحاً للعمليات العسكرية بينها وبين مصر بحيث لا تعطى الفرصة لمصر للتفكير فى تعمير سيناء وذلك انتظاراً لتنفيذ المرحلة اللاحقة فى المخطط وهى الاستيلاء على سيناء نهائياً وتوطين اليهود المهاجرين إلى إسرائيل فيها. وعليه فإن ما قامت به إسرائيل من أبحاث ودراسات لموارد سيناء أثناء احتلالها لها لم تكن من باب الرفاهية العلمية بل كانت ترمى إلى وضع الخطط الكفيلة باستغلال سيناء الاستغلال الأمثل فى المستقبل عندما تسنح الفرصة لإسرائيل بذلك.


وللأسف فإن التفكير المصرى قد ساهم دون أن يدرى فى خدمة المخططات الإسرائيلية. فقد اقتصرت النظرة المصرية إلى سيناء على أنها منطقة عازلة عسكرية وكأنها حلبة الصراع بين الطرفين كلما اقتضت الظروف ومن ثم فإن سيناء ستكون من نصيب من يتمكن بقدراته من تحويل هذه المنطقة من مجرد فراغ عازل بين الطرفين إلى منطقة جذب سكانى فإما أن تتمكن إسرائيل من توطين ملايين اليهود وإما أن تسبقها مصر بتوطين الملايين من المصريين.


لقد اشتبكت مصر مع إسرائيل فى أربع حروب رئيسية منذ عام 1984 وحتى عام 1973 زادت إسرائيل تجاربها فيها للتعرف على كيفية الحصول على سيناء بشكل نهائى عندما تسنح الفرصة الدولية لذلك. أما من ناحيتنا فلا يمكن تفسير ما حدث لنا إلا أن مصر ممثلة فى حكامها لم تستوعب الدرس فى كل مرة.


المشروع القومى:


إن البحث عن مشروع قومى ينقذ البلاد من عثرتها أصبح من الضرورة فى ظل المآزق التى تواجهها على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.


وسيناء هى الخلاص المتاح للنهوض والخروج من خناق الأزمات بداية من خندق الأزمة الاقتصادية والتهديدات الخارجية بما فى ذلك سيف المعونات والمساعدات التى تسلب الإرادة وخنادق أخرى ملغومة تؤدى كلها إلى الدرك الأسفل.


فى هذا الإطار تعد سيناء هى المشروع القومى الذى يجب أن نلتف جميعاً حوله لمجابهة تحديات القرن القادم. ونحن نطالب بطرح هذا المشروع للنقاش على كافة القوى السياسية الوطنية والأحزاب والتجمعات والجمعيات والنقابات والعلماء المتخصصين أصحاب الرأى من المفكرين والمثقفين باعتبار أن هذا المشروع ليس ملكاً لأحد. ومن الضرورة والأهمية أن يشارك كل مصرى فى وضع ملامحه الأساسية وأسسه المبدئية وتصوراته المستقبلية ومن خلاله نستطيع الدفاع عن بوابتنا الشرقية. لقد وضعت الحكومة الحالية منفردة!! دراسة المشروع القومى لتنمية سيناء من خلال وزارة التخطيط وتم عرضه على مجلس الشورى الذى قام بدوره بتشكيل عدة لجان متخصصة لدراسته. وكان من المفترض مشاركة كل الأحزاب وكافة الفئات فى وضع هذا المشروع وبحثه ودراسته لأنه مشروع كل مصرى.


ولكن بعيداً عن الاستحواذ والانفراد بالقرار نطرح أهم ملامح التقرير المبدئى حول المشروع لأنه يعد من أهم وأكبر مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سواء من الناحية الاستراتيجية أو الاقتصادية أو الاجتماعية حيث من المنتظر أن تبلغ جملة استثماراته ( 75 مليار جنيه ) على مدى 23 عاماً أى من الآن وحتى عام 2017 وقد استعرض المشروع الرؤية الاقتصادية والاجتماعية التى تتحرك عبر ثلاثة محاور:


أولاً: محور الزراعة والرى واستصلاح الأراضى والثروة الحيوانية والسمكية.


ثانياً: محور الصناعة والطاقة والنقل والمواصلات والبنية الأساسية والسياحة.


ثالثاً: محور الخدمات الاجتماعية والتنمية البشرية.


ويستهدف المشروع دمج سيناء فى الكيان الاقتصادى والاجتماعى لبقية الأقاليم والمناطق المصرية ووضع خريطة استثمارات متكاملة مع سائر البلاد( زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية وعمرانية وخدمية وأمنية ) تحقق التوظيف الاقتصادى الأنسب لأراضى سيناء لدعم البعد الأمنى والسياسى للحدود الشرقية.


ويوضح الجدول التالى التكلفة الاستثمارية الكلية للمشروع القومى فى كافة القطاعات.


والحقيقة أن الذى يقرأ عن إمكانيات هذا المشروع لابد وأن يتسائل من أين ستأتى الحكومة بها؟


وبنظرة بسيطة إلى حجم المبالغ التى رصدت لاستثمارها ( 75 مليار جنيه فى المدة من 1995 حتى عام 2017 ) أى على مدى اثنين وعشرين عاماً أى أن متوسط الاستثمار السنوى 3.4 مليار جنيه سنوياً. وهذا يعنى أن سيناء ستحظى بكم هائل من استثمارات مصر فمن أين ستأتى الحكومة بهذه الاعتمادات، والواقع يقول أن هناك عجزاً فى الموازنة العامة للدولة.


هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا تقل خطورة يثار التساؤل هل الحكومة جادة فعلاً فى تعمير سيناء؟ لقد رحلت إسرائيل عن سيناء منذ خمسة وعشرون عاماً وتركت مستعمرة (ياميت) بين العريش ورفح محطة مدمرة تحكى اطلالها عن حضارة ومدنية الاسرائيليين الذين رفضوا تركها سليمة فنسفوها قبل رحيلهم بأربع وعشرين ساعة وعندما هب الرأى العام مطالباً برد حضارى وتقرر بناء مدينة ( الفيروز ) فى نفس موقع ياميت وعلى مساحة أكبر منها وتدفقت التبرعات والمساهمات من كل الجهات ومع ذلك فلم يتم بناء الفيروز ولا يعلم أحد بمصير التبرعات والمساهمات حتى الآن. ولا زالت أطلال ياميت تشهد على عجز وبيروقراطية الحكومة الحالية على إنجاز مثل هذا المشروع الحيوى فهل يمكنها تنفيذ مشروع قومى بهذه الضخامة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق