الاثنين، 25 يناير 2010

في ذكرى انتفاضة الطلبة ( يناير 1972م ) ـ م. فتحي شهاب



منذ هزيمة 1967م وبداية انهيار النظام الناصري بدأت حركة جماهيرية تتبلور في أوساط العمال والطلاب , وبمجرد أن أصدرت المحكمة العسكرية أحكامًا مخففة ضد ضباط الطيران الذين اتُهموا بأنهم سبب هزيمة يونيو 1967م خرج عمال حلوان اعتراضًا على الأحكام الهزيلة ورفعوا شعار ( لا اشتراكية بدون حرية ) , وتحولت حلوان وشبرا إلى مركز للإضرابات العمالية .

وتحرك الطلاب من الجامعات ليلتقوا مع العمال , وبدات الشرارة من طلاب كلية الهندسة جامعة القاهرة الذين تحركوا في فبراير 1968م , وفي نفس التوقيت أنشأ عبد الناصر قوات الأمن المركزي لقمع مظاهرات الطلبة والعمال .

وعندما أتى السادات إلى السلطة ضعيفًا وفاقدًا للشرعية وحوله خصوم أقوياء استطاع الإجهاز عليهم فيما سُمِّيَ بـ "ثورة التصحيح" في مايو 1971م ، ثم أعلن ولائه لهدف تحرير الأرض الذي رفعه عبد الناصر .

وفي خطاب السادات 13 يناير 1972م برَّر عجزه عن الوفاء بوعده في جعْل عام 1971م عام الحسم مع إسرائيل باندلاع الحرب الهندية الباكستانية , وأن هذه الأحداث أثرت على الحليف السوفيتي , وحدَّت من تقديمه المساعدات لمصر , وأن هذه الحالة كالضباب الذي يعيق القدرة على التحرك , ولذلك سَمَّي هذا العام بعام "الضباب" .

تشكَّلت يوم الخميس 20 يناير 1972م "اللجنة الوطنية العليا للطلبة" أثناء مؤتمر طلابي حاشد في قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة بقيادة طالب الاقتصاد والعلوم السياسية " أحمد عبد الله رزَّه " .

وشارك فيها معظم الكليات في جامعة القاهرة , والتي وجدت مساندة لها من مختلف جامعات مصر في عين شمس والأسكندرية والأزهر حاولت الحركة الطلابية مقابلة الرئيس لعرض طلباتها دون جدوى فكان الاعتصام الكبير الذي ضم أكثر من 1500 طالب وطالبة داخل حرم الجامعة .

كنت ساعتها في السنة النهائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة , وكان دوري في الاعتصام حماية أحد أبواب القاعة مع عشرة طلبة من الكلية , وعندما غالبني النوم في الساعة الخامسة صباحًا صحوت فجأة على انفجار شديد ورأيت باب القاعة يسقط فوق رأسي أنا والمجموعة التي معي في الحراسة في مشهد لن أنساه , وإذا بمعظم الأبواب تتخلع بنفس الطريقة .

كان ذلك صبيحة الاثنين 24 يناير , وإذا بالقاعة تمتلئ بالجنود ذوي السترات السوداء وهم يصوبون الرشاشات إلى وجوهنا في مشهد رعب مثير طالبين منا جميعًا الوقوف ووضع الأيدي فوق الرؤوس في مشهد بعيد للأذهان صور أسرى الحرب في سيناء أثناء هزيمة 1967م , وكان أول اعتقال أشهده في حياتي ؛ حيث اقتادونا إلى معهد أمناء الشرطة بالدراسة وحشرونا في اسطبل كبير للخيول .

وعندما عاد الطلاب صباحًا ولم يجدوا زملاءهم اندفعوا بأعداد كبيرة وتجمعوا في ميدان التحرير ؛ حيث احتلوه بأكمله ولم ينصرفوا إلا بعد الإفراج عن جميع المعتقلبن بعد ثلاثة أيام .

ألقى الرئيس السادات خطابًا في اليوم التالي 25 يناير 1972م قال فيه : " الطلاب طيبيين لكن هناك قلة منحرفة قاعدين يشتموا أساتذتهم ويشربوا سجاير أولاد على بنات , مسخرة وقلة أدب ، ثم أعلن عبارته الشهيرة " أنا مقعدش مع رزَّه " في إشارة إلى أحمد عبد الله .

كانت حركة الطلاب حركة وطنية خالصة لم يكن لليسار ولا اليمين ولا حتى للتيار الديني الوليد في الجامعة تأثير كبير في الأحداث إنما كانت الحركة تنبع من وعي ومشاعر وطنية خالصة .

لقد مثَّلت حركة يناير الطلابية نقلة هامة في الكفاح الوطني ورغم فشلها في الانتشار إلا أنها مهدت الطريق لحرب أكتوبر 1973م ، كما مهدت كذلك لانتفاضة يناير 1977م والتي سمّاها السادات انتفاضة الحرامية رغم أنها كانت انتفاضة شعبية مائة في المائة .

لا زلتُ أذكر ذلك الشاب الطويل النحيل جدًا الضعيف جسمانيًا , والذي يلف حول عنقه كوفية حمراء يُتمتع بكاريزما طاغية وقدرة على الخطابة فائقة تهز كيان آلاف الطلبة المحيطين به من كل جانب .

وتدور عجلة الزمن ويقبض عليّ مع الشيخ أمين الديب في مايو عام 2006م لنودع سجن مزرعة طرة وبعدها بشهر واحد نستقبل خبر وفاة أحمد عبدالله رزّة أستاذ العلوم السياسية وخريج جامعة كمبروج في الخامس من يونيو 2006م , وفي نفس اليوم الذي حدثت فيه هزيمة يونيو 1967م , والتي قامت انتفاضة الطلبة أساسًا لمحو آثارها واسترداد كرامة الأمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق