الأربعاء، 27 يناير 2010

هايتي ... والمساعدات الأمريكية (أين الحقيقة) ؟! ـ م. فتحي شهاب




أعلنت الولايات المتحدة أن مساعدتها لهايتي ستستمر طويلاً واعتبرت على لسان سفيرتها الأممية "سوزان رايس" أن اتفاقها مع الأمم المتحدة على استمرار التعاون لفترات طويلة , لكن دولاً كفنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا شكَّكت في مهمة الجيش الأمريكي واتهمته بالشروع في احتلال هايتي بذريعة انقاذها خاصةً أن القوات الأمريكية بلغ عددها (20.000) عشرون ألف جندي وهم لا يرتدون الخوذات الزرقاء الخاصة بالأمم المتحدة ولكنهم يعملون تحت قيادة بلادهم مباشرة .


وحتى نتبين الحقيقة لا بد من سرد الحكاية من الأول , فعندما طلبت أمريكا من المواطنين "الفلبينييـن " تقديم المساعدة لهم في قتالهم مع الأسبان ـ الذين كانوا يحتلون الفلبين ـ في بداية القرن العشرين مقابل وعدهم بالاستقلال وبمجرد مغادرة الأسبان انضمت الحركة الوطنية كلها لأمريكا في القتال ضد الأسبان حتى انتصرت أمريكا فكان جزاءهم جزاء "سنمار" , فقد حنث الأمريكيون بوعدهم واحتلوا الفلبين ولم يغادروها إلا بداية القرن الواحد والعشرين (قرابة المائة عام) , هذا عندما طلبت أمريكا المساعدة فكيف عندما يُطلب منها المساعدة ؟!!!


هايتي .. جزيرة مستقلة في البحر الكاريبي تلاصقها من الشرق جمهورية الدومينكان وتقع غربها جزيرة كوبا وهي عضو في منظمة الدول الأمريكية , تعاقبَ على هايتي عدد من الأنظمة الديكتاتورية خلال القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين أفلست هايتي ووافقت على خضوعها للحراسة الأمريكية من 1905 وحتى 1941م .


وعندما عاد الحكم الديمقراطي في هايتي عام 1949م برئاسة "إستيميه" أعادت أمريكا الحكم الديكتاتوري مرة أخرى إلى هايتي ممثلاً في الديكتاتور "فرانسو دوفلييه" عام 1957م الذي استعان بالبوليس السري المعروف باسم "تون ـ تون ـ ماكوت" , والذي كان يطلق النار على معارضي النظام , وفي عام 1971م دعمت أمريكا "جان كلود دوفلييه" ابن "دوفلييه" ليخلف أبـاه في الحكم .


وعندما دمَّر إعصار "آلن" هايتي عام 1980م وحدثت اضطرابات شديدة فرَّ على أثرها الرئيس "جان دوفلييه" على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي , وكان ذلك في 7 فبراير 1986م , وبذلك انتهت ديكتاتورية أسرة "دوفلييه" التي استمرت 28 عامًا .


وفي انتخابات 1990م تم انتخاب القس الكاثوليكي "إرسيتيد" لرئاسة البلاد بدعم أمريكي , لكن العسكريين بقيادة العميد "راؤول" ألقوا القبض عليه في 1991م وطردوه من البلاد , حاولت أمريكا إعادة "إرسيتيد" إلى الحكم , ولكن الجيش أرغم مجلس الأمة على إسقاطه رسميًا ففرضت أمريكا حصارًا اقتصاديًا على هايتي مما أدى إلى تدهور اقتصادها وانهياره وقامت بدفع الأمم المتحدة لفرض حظر بترولي ومالي وتسليحي على هايتي , واشتركت في تطبيقه معظم دول العالم .


وفي عام 1994م صرَّح مجلس الأمن بغزو هايتي بتوجيه أمريكي عن طريق القوات المتعددة الجنسيات , وبينما كانت القوات الأمريكية في طريقها إلى هايتي وقَّع العسكر على اتفاق يقضي بتركهم الحكم على أن يعود "إرسيتيد" , ونزلت القوات الأمريكية إلى أرضي هايتي كجزء من قوات دولية عام 1995م وعاد "إرسيتيد" إلى الحكم على أسنَّة الرماح الأمريكية .


والآن وبعد أن ضرب الزلزال هايتي وراح ضحيته الآلاف المؤلفة من البشر والممتلكات , وبعد أن حلَّت الكارثة التي روَّعت العالم بأسره لم تشعر أمريكا بالشفقة ولا العطف لأنها لا تعرف العواطف ولا تعرف الإنسانية , ولا تعرف الوفاء , إنما تعرف مصالحها فقط , ومن ثم عادت القوات الأمريكية مرة أخرى تحت ستار المساعدات وبقوات عسكرية بلغت الـ (20.000) جندي .


فماذا تريد أمريكا وما حقيقة مساعداتها .. هذا ما فهمته دول الجوار , والتي اكتوت بالنيران الأمريكية وما زالت جراحها لم تندمل بدءًا بكوبا والفلبين ونيكاراجوا بل ومعظم دول العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق